الصدفة الأخيرة
في قلب مدينة الإسكندرية حيث تمتزج رائحة البحر مع عبق التاريخ، كانت ليلى تسير في شارع الكورنيش مع صديقتها هند، تتحدثان عن خطط عطلة نهاية الأسبوع، واعتادت ليلى على قضاء أيامها بين عملها كمصممة ديكور وبين جلساتها مع صديقتها المقربة لكن في ذلك اليوم، كان للقدر خطة مختلفة تمامًا في الصدفة الأخيرة.
كان يوسف يقف على الرصيف المقابل، يراقب البحر وهو يفكر في حياته التي كانت على وشك أن تتغير، يوسف شاب في منتصف الثلاثينات، يعمل مهندسًا في إحدى الشركات الكبرى بالقاهرة، لكنه قرر أن يأخذ استراحة قصيرة ليجد بعض السلام في المدينة التي أحبها منذ صغره.
لم يكن يوسف من النوع الذي يؤمن بالحب من النظرة الأولى، لكن عندما رأى ليلى، شعر بشيء غريب يشبه الارتياح، وكأن شخصًا ما قال له: “هذه هي.”
بداية الحكاية
بينما كانت ليلى تتحدث مع هند، لاحظت أن هناك شخصًا عبر الطريق قادمًا نحوها لم تهتم في البداية، لكن عندما اقترب يوسف منها، قال مبتسمًا:
“آسف على الإزعاج، لكن هل تعرفين أي مطعم جيد قريب من هنا؟”
تبادلت ليلى وهند النظرات، ثم أجابت ليلى بابتسامة صغيرة:
“هناك مطعم رائع على بعد شارعين من هنا، يقدم مأكولات بحرية مميزة.”
شكرها يوسف، لكنه لم يغادر فورًا بدلاً من ذلك، قال:
“بالمناسبة، اسمي يوسف وأنتِ؟”
ردت: “أنا ليلى، وهذا كل ما تحتاج معرفته الآن.” ضحكت هند على تعليقها، بينما ابتسم يوسف وتمنى لهما يومًا سعيدًا قبل أن يغادر.
لقاء جديد… مصادفة أم قدر؟
في اليوم التالي، كانت ليلى تجلس في مقهى صغير قريب من منزلها تعمل على تصميم جديد فجأة، سمعت صوتًا مألوفًا:
“هل هذا مقعد شاغر؟”
رفعت رأسها لتجد يوسف واقفًا أمامها، ممسكًا بكوب قهوة شعرت ليلى بالدهشة، لكنها أخفتها بابتسامة وقالت:
“أعتقد أنني أراك كثيرًا في اليومين الماضيين.”
جلس يوسف بجانبها وبدأ الحديث، واكتشفت ليلى أنه ليس فقط مهندسًا ناجحًا، ولكنه أيضًا شخص لديه شغف بالكتابة والسفر، حيث تحدث عن مغامراته في البلاد المختلفة وعن حلمه في أن يكتب يومًا ما كتابًا عن الأماكن التي أحبها.
قالت ليلى: “أنت شخص مميز، لكنني لا أصدق بالصدف بهذه الطريقة.”
رد يوسف بابتسامة هادئة: “وأنا لا أصدق بالصدف إلا إذا كانت جميلة مثلكِ.”
مشاعر تنمو ببطء
بدأت لقاءاتهما تصبح أكثر تواترًا لكن دون ترتيب في كل مرة كانا يلتقيان، كان الأمر يبدو وكأنه حدث طبيعي تمامًا، لكنه كان يحمل في داخله شعورًا بالدفء والارتياح وفي أحد الأيام، دعاها يوسف لتناول العشاء في المطعم الذي أوصت به.
قال لها: “هذا المكان أصبح مميزًا بالنسبة لي الآن، لأنه أول مرة تحدثنا فيها.”
ردت ليلى مازحة: “لا تنسى أن تشكر هند أيضًا، كانت شريكة في ذلك اللقاء.”
خلال العشاء، تحدثا عن أحلامهما ومخاوفهما، واعترفت ليلى بأنها قلقة بسبب تجاربها السابقة التي كانت مؤلمة، أما يوسف فقال إنه يبحث عن شخص يكون شريكًا له في كل شيء، ليس فقط في الحب، بل في الحياة بأكملها.
قالت ليلى: “وهل تظن أن الحب الحقيقي موجود؟”
أجاب يوسف: “أنا لم أكن أؤمن به… حتى رأيتك.”
لحظة الحقيقة
رغم الأوقات الجميلة التي قضياها معًا، كانت هناك عوائق تقف في طريقهما، يوسف كان يعيش في القاهرة، بينما ليلى كانت مرتبطة بعملها وأسرتها في الإسكندرية، وكانا يدركان أن اتخاذ خطوة جدية سيتطلب تضحيات كبيرة.
في أحد الأمسيات كانا يجلسان على الشاطئ، يستمعان لصوت الأمواج. قال يوسف:
“أعلم أن الأمر ليس سهلاً، لكنني أريد أن أكون معكِ حتى لو كان ذلك يعني أن أغير حياتي بالكامل.”
شعرت ليلى بالدموع تملأ عينيها، وكانت تعلم أن يوسف صادق، لكنها خافت من أن تؤذي قلبه إذا لم تستطع أن تعطيه ما يستحق.
الاختيار الصعب
مرت أسابيع وكل منهما يحاول أن يجد طريقة لحل المشكلة في أحد الأيام، قررت ليلى أن تزور يوسف في القاهرة لتعرف كيف تبدو حياته هناك، وكان يومًا مليئًا بالمفاجآت، حيث اصطحبها يوسف إلى أماكن أحبها، وأراها كيف يمكن لحياتهما أن تكون معًا.
قالت له: “أشعر أنني أنتمي هنا معك، لكنني لا أريد أن أكون عبئًا.”
رد يوسف: “أنتِ ليست عبئًا، أنتِ الدافع الذي يجعلني أريد أن أكون أفضل.”
النهاية الجديدة
بعد الكثير من التفكير، قررت ليلى أن تخطو خطوة جريئة، وأخبرت يوسف بأنها مستعدة للانتقال إلى القاهرة، لكنها أرادت أن يتفقا على بناء حياتهما معًا خطوة بخطوة في يوم انتقالها، كان يوسف ينتظرها في المحطة مع باقة من الزهور، و قال لها:
“مرحبًا بكِ في بداية حياتنا الجديدة.”