القرار الذي غير حياتي
كان يوسف شابًا في الثلاثين من عمره، نشأ في حي شعبي يملؤه صخب الحياة اليومية، وكان يعمل في متجر صغير يبيع الأدوات المنزلية، ورغم أن عمله كان بسيطًا إلا أن يوسف كان دائمًا يسعى لتوفير حياة أفضل لنفسه، وكان حلمه دائمًا أن يفتح مشروعًا صغيرًا خاصًا به، لكنه كان يشعر دائمًا أن هناك شيئًا ما يمنعه من اتخاذ الخطوة الكبيرة.
لقد نشأ في عائلة متواضعة، وكان والده يعمل في وظيفة حكومية، بينما كانت والدته ربة منزل تحاول أن تدير شؤون المنزل بأقل التكاليف الممكنة، وكان يوسف يرى في عيني والديه التعب والإرهاق، وكان يكره أن يراهم يعانون من أجل تلبية احتياجاتهم اليومية، كان يطمح لأن يكون قادرًا على توفير حياة أسهل لعائلته، ولذلك كان يعمل بجد في متجر الأدوات المنزلية، لكنه كان يعلم أن ذلك لن يكون كافيًا لتحقيق طموحاته.
في أحد الأيام جاء إلى المتجر رجل مسن يُدعى “أبو فهد”، كان أحد الزبائن الدائمين وكان أبو فهد قد قرر أن يترك خلفه إرثًا من الأعمال التجارية التي أسسها في سنوات عمره، وكان يلاحظ يوسف في كل زيارة ويلاحظ أن الشاب كان دائمًا يبتسم رغم ضغوطات الحياة.
في إحدى المرات جلس أبو فهد مع يوسف وتحدثا عن الحياة، وقال أبو فهد: “أنت شاب طموح، ويجب أن تسعى لتحقيق حلمك لكن يجب أن تعلم أن الطريق ليس سهلًا، وأن القرار الذي ستتخذه قد يغير حياتك تمامًا.”
كان حديث أبو فهد عميقًا، وكأن الرجل كان يعرف ما يدور في ذهن يوسف، وهذا الحديث جعل يوسف يشعر بمسؤولية كبيرة تجاه مستقبله، حيث قرر أنه لا يمكنه البقاء في نفس المكان طوال حياته، وأنه بحاجة إلى اتخاذ قرار مهم، وفي الأيام التي تلت حديثه مع أبو فهد، بدأ يوسف يفكر في كيفية تغيير حياته.
قرر أنه سيبدأ مشروعًا صغيرًا في مجال التجارة الإلكترونية، وكانت فكرة التجارة الإلكترونية تثير اهتمامه، وكان يعرف أنها قد تكون الطريقة التي يستطيع من خلالها تحسين وضعه المالي ولكنه كان مترددًا، حيث كان يعلم أن المشروع يحتاج إلى رأس مال، وكان لا يمتلك المال الكافي لبدء هذا النوع من الأعمال.
مرت الأيام وكان يوسف يواجه صراعًا داخليًا، هل يجب أن يواصل العمل في متجر الأدوات المنزلية الذي يوفر له دخلًا ثابتًا ولكنه محدود؟ أم يجب أن يجازف ويبدأ مشروعه الذي كان يراه طريقًا لتحسين وضعه؟ كانت المخاوف كثيرة: إذا فشل المشروع، فقد يخسر كل شيء وإذا نجح، فقد يتحقق حلمه.
قرر يوسف في النهاية أن يجازف، وقام بجمع كل المدخرات التي كان قد ادخرها على مر السنين، واستدان بعض المال من أصدقائه وعائلته ثم بدأ في إنشاء موقع إلكتروني لبيع المنتجات التي كان يعرف أنها مطلوبة في السوق، وكان يعمل ليلًا ونهارًا ويضع كل جهده ووقته في مشروعه، وكان يشعر بالحماس والإصرار على النجاح.
حيث بدأ الموقع الإلكتروني يجذب بعض العملاء، وكانت الأمور تتحسن تدريجيًا لكن لم يكن الطريق سهلاً في البداية، واجه يوسف صعوبات كثيرة ومشاكل في الشحن، وأحيانًا تأخيرات في توصيل الطلبات، ولكن كان يصر على أن يبذل المزيد من الجهد لتجاوز هذه التحديات ولم يكن يريد أن يخذل نفسه أو عائلته.
مرت أشهر وبدأ المشروع يحقق نجاحًا أكبر، وبدأ يوسف يتلقى المزيد من الطلبات، وأصبح لديه قاعدة عملاء مخلصة شيئًا فشيئًا، بدأ يحقق أرباحًا جيدة، وهو ما دفعه للاستثمار في توسيع مشروعه وزيادة عدد المنتجات التي يبيعها.
وبعد عام من العمل الشاق أصبح يوسف صاحب متجر إلكتروني ناجح، واستطاع أن يحقق حلمه ولم يتوقف هنا فقط بل بدأ في البحث عن فرص لتوسيع أعماله، وكان يراجع دائمًا استراتيجياته ويحاول أن يطور نفسه.
في النهاية، أصبح يوسف قدوة للعديد من الشباب في حيه، لقد تعلم أنه رغم الصعوبات لا شيء مستحيل إذا كان الإنسان يمتلك العزيمة والإرادة لتحقيق حلمه، وكان يعلم أن القرار الذي اتخذه في ذلك اليوم، حين اختار أن يخاطر ويبدأ مشروعه، هو الذي غير حياته إلى الأبد.