قصص

نبض الحياة

كانت مريم تجلس في مقعدها الأخير في حافلة مزدحمة متجهة إلى العمل، تتأمل الخارج من النافذة، هي فتاة في نهاية العشرينيات من عمرها، تعمل طبيبة في مستشفى حكومي صغير، ورغم شغفها بمساعدة الآخرين إلا أن روتينها اليومي أصبح يثقل قلبها.

منذ ثلاث سنوات توقفت حياتها العاطفية فجأة عندما انتهت علاقتها بخالد، حبيبها السابق بسبب سوء تفاهم لم يتمكنا من تجاوزه، ولم يكن هناك شجار كبير أو خلاف لا يُغتفر، لكن أحيانًا تتسبب الظروف والمسافات العاطفية في فصل الأشخاص حتى لو كان بينهم حب كبير.

اللقاء الأول بعد الغياب

كان يومًا عاديًا في المستشفى، حيث بدأت مريم ورديتها بين مرضى الطوارئ والعمليات، وبينما كانت تساعد طبيب الجراحة في تجهيز غرفة العمليات، سمعت صوتًا مألوفًا ينادي:
“مريم؟”

استدارت لتجد خالد مرتديًا زي الأطباء، يقف أمامها كان خالد طبيبًا يعمل في أحد المستشفيات الكبرى في العاصمة، لكن رؤيته هنا كانت مفاجأة غير متوقعة للحظة، شعرت وكأن الزمن توقف.

قالت متلعثمة: “خالد؟! ماذا تفعل هنا؟”

رد بابتسامة خفيفة: “انتقلت حديثًا للعمل هنا يبدو أننا سنعمل معًا.”

مشاعر عالقة بين الماضي والحاضر

رغم أن اللقاء كان مهنيًا، إلا أن وجود خالد أشعل الذكريات في قلب مريم، حيث تذكرت الأيام التي قضياها معًا، والأحلام التي نسجاها قبل أن تنهار فجأة.

مع مرور الأيام أصبح وجودهما في نفس المستشفى واقعًا لا مفر منه، وكانت محاولاتهما للتعامل ببرود مهني واضحة، لكن لغة العيون بينهما كانت تحكي قصة مختلفة.

في إحدى الليالي، بينما كانا يعملان على حالة طارئة معًا، قال خالد فجأة:
“مريم، هل تذكرين تلك المرة التي تحدثنا فيها عن فتح عيادة صغيرة معًا؟”

نظرت إليه بدهشة وقالت: “هل تعتقد أن الوقت مناسب للحديث عن الماضي؟”

رد بهدوء: “ربما ليس الآن، لكنني فقط أردت أن أقول إنني لم أنسَ شيئًا.”

ألم الفقد

وذات يوم استقبلت مريم مكالمة من والدتها تخبرها بأن خالها المريض نقل إلى المستشفى في حالة حرجة، وهرعت مريم إلى غرفة العناية المركزة لتجد خالد ضمن الفريق الطبي المشرف على حالته.

كان خالد يعمل بجد لإنقاذ خالها، لكن الحالة كانت معقدة للغاية وبعد ساعات من المحاولات، خرج خالد ليخبر مريم والأسرة بأن المريض قد فارق الحياة.

رغم الحزن، شعرت مريم بالامتنان لوجود خالد بجانبها في تلك اللحظة، وقالت له بعد الجنازة:
“شكرًا لأنك كنت هناك كنت بحاجة إلى شخص أعرفه.”

نظر إليها خالد وقال: “أنا هنا دائمًا يا مريم، حتى لو لم تري ذلك.”

إعادة بناء الثقة

بمرور الوقت، بدأت مريم ترى خالد من منظور جديد، لم يكن الرجل الذي تركها سابقًا، بل كان أكثر نضجًا وهدوءًا، حيث بدأت أحاديثهما تصبح أطول وأكثر دفئًا، ولم تعد اللقاءات مقتصرة على العمل فقط.

في أحد الأيام دعاها خالد لتناول القهوة جلسا في مقهى صغير قريب من البحر، حيث قال لها:
“مريم، أريد أن أكون صادقًا معكِ لقد ارتكبت أخطاء في الماضي، لكنني لم أتوقف عن التفكير فيكِ، هل يمكن أن نبدأ من جديد؟”

كانت مريم مترددة ولم يكن الأمر سهلاً بالنسبة لها أن تتجاهل الجروح القديمة، لكنها رأت في عينيه صدقًا لم تستطع إنكاره.

قالت: “البداية من جديد تعني أننا يجب أن نكون صادقين تمامًا مع أنفسنا ومع بعضنا.”

رد خالد: “هذا وعد مني.”

فرصة ثانية

بعد هذا الحديث بدأ خالد ومريم يقتربان أكثر، وكانا يعيدان اكتشاف بعضهما البعض، هذه المرة بدون أحكام أو توقعات. بدأ خالد يدعم مريم في عملها، وكان يشاركها خططها للمستقبل.

وفي يوم عادي، بينما كانا يسيران معًا على الكورنيش بعد يوم عمل طويل، توقف خالد فجأة وأمسك يدها.

قال: “مريم، لقد تعلمت شيئًا مهمًا في حياتي: الحب الحقيقي لا يموت، لكنه يحتاج إلى وقت لينضج. أريد أن أكون معكِ، ليس فقط اليوم، بل كل يوم.”

ابتسمت مريم وقالت: “ربما الحب لا يحتاج إلى وقت، بل يحتاج إلى شجاعة وأنا مستعدة لهذه الشجاعة.”

بعد أشهر من العمل على علاقتهما، قررا أن يبدآ حياة جديدة معًا، وفتحت مريم عيادتها الصغيرة بمساعدة خالد، وعملا معًا ليكونا شركاء في الحب والحياة، ولم تكن قصتهما مثالية لكنها كانت حقيقية في النهاية، أدركا أن الحب ليس فقط في اللحظات الجميلة، بل في مواجهة الألم معًا والبحث عن الأمل في أعماق الشدائد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى