قصص

حب لا يُنسى

في زحام القاهرة بين ضجيج السيارات وصخب الحياة اليومية، كانت ياسمين تسرع الخطى إلى مكتبها في وسط المدينة، وتعمل كمحررة في مجلة شهيرة، ومع كل صباح تبدأ يومها بين الأوراق والمقالات، لكنها لم تتخيل أبدًا أن صباح ذلك اليوم سيحمل لها لحظة تغير مجرى حياتها.

بينما كانت تسير على الرصيف، اصطدمت بشخص يسير مسرعًا في الاتجاه المعاكس، وتناثرت أوراقه وأوراقها في الهواء ومع اعتذارها السريع، تلاقت أعينهما لأول مرة، وكان شابًا في أوائل الثلاثينيات بملامح جذابة وعينين عميقتين تخفيان قصة ما وقال مبتسمًا: “يبدو أننا بدأنا اليوم بفوضى صغيرة.”

ردت ياسمين بخجل: “آسفة، لم أنتبه لطريقي.”

ساعدها في جمع الأوراق قبل أن يقدم نفسه: “أنا عمر، وأنتِ؟”

لم يكن اللقاء عابرًا كما بدا، فقد عادت ياسمين إلى مكتبها، ولكن ظل وجه عمر يطاردها طوال اليوم، ولم تعرف لماذا أثّر فيها هذا اللقاء العابر هكذا ومرت أيام، وفي كل مرة كانت تسير في نفس الطريق، كانت تتمنى أن تراه مجددًا، وكأن القدر استجاب لرغبتها.

ظهر عمر مرة أخرى وهذه المرة كان يحمل في يده كوب قهوة إضافي، وقال بابتسامة دافئة: “كنت أتمنى رؤيتك هنا مجددًا هذه لكِ.”

بدأت علاقة ياسمين وعمر ببساطة، قهوة كل صباح وأحاديث قصيرة عن العمل والحياة، واكتشفت أنه مهندس معماري يعشق تصميم المباني القديمة ويبحث دائمًا عن الجمال في التفاصيل الصغيرة أما هي، فكانت ترى الحياة من خلال الكلمات والقصص، وهذا ما جعلهما مختلفين ولكن متكاملين.

تحوّل اللقاءات العابرة إلى شيء أعمق

مع مرور الوقت، أصبح كل منهما جزءًا من يوم الآخر، وقضيا ساعات يتحدثان عن أحلامهما ومخاوفهما، وكانت ياسمين تشعر بشيء غريب عندما تكون معه، وكأن العالم بأكمله يتوقف عندما يبتسم لها أما عمر، فكان يرى فيها الأمل الذي فقده منذ فترة طويلة.

ذات ليلة بينما كانا يجلسان في مقهى صغير، سألها: “هل تؤمنين أن هناك حب لا ينسى؟”

ترددت ياسمين للحظة قبل أن تجيب: “أؤمن بأن هناك أشخاصًا يدخلون حياتنا ويتركون أثرًا لا يُمحى هل هذا ما تقصده؟”

ابتسم وقال: “ربما، لكنني أعتقد أنني وجدت ذلك فيكِ.”

العقبات تظهر دائمًا في أجمل اللحظات

قبل أن تتسنى لهما الفرصة ليعترف كل منهما بمشاعره بوضوح، تلقت ياسمين عرض عمل في دبي وكان العرض مغريًا جدًا، ولكنه كان يعني ترك كل شيء خلفها، بما في ذلك عمر وعندما أخبرته بالأمر، رأى في عينيه مزيجًا من الفخر والحزن.

قال لها: “هذه فرصة لا تُعوّض، وأنا أريد لكِ الأفضل دائمًا لكن هل فكرتِ فينا؟”

لم تكن الإجابة سهلة وكانت تشعر أن قلبها عالق بين خيارين: الطموح أو الحب لكن عمر فاجأها برده: “إذا كنتِ ستذهبين، فقط تذكري أن الحب الحقيقي لا ينسى.”

الوداع والحنين

في يوم سفرها كان عمر هناك واقفًا في المطار، ممسكًا بكتاب صغير يحمل عنوانًا غريبًا: “ذكريات لن تموت”، وقدمه لها قائلاً: “هذا لكِ افتحيه عندما تفتقدينني.”

لم تستطع ياسمين منع دموعها وهي تصعد الطائرة وتركت قلبها معه، وحملت ذكرياته معها.

اللقاء الأخير… أو ربما البداية

بعد سنوات عندما عادت إلى القاهرة لحضور مؤتمر، قررت أن تسير في نفس الطريق الذي بدأ منه كل شيء، ولم تكن تعرف ما إذا كانت تتوقع رؤيته أم لا، لكن عندما وصلت إلى الزاوية التي التقت فيها به أول مرة، وجدته هناك ممسكًا بكوب قهوة إضافي.

قال لها بابتسامة مألوفة: “كنت أعرف أنكِ ستعودين.”

أدركت ياسمين في تلك اللحظة أن بعض الأشياء لا تتغير أبدًا، وأن هناك حقًا حب لا يُنسى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى