قصص

اختيارات الحياة

كان أحمد شابًا في العشرين من عمره، يعيش في حي شعبي مزدحم بالضوضاء والأصوات المختلفة ومنذ صغره، كان يشاهد الحياة تتغير أمامه بسرعة، وكانت خياراته تتقلص كلما كبر عائلته لم تكن غنية، وكان والده يعمل موظفًا بسيطًا في مصنع صغير، أما والدته فكانت ربة منزل تحاول جاهدًا أن توفر لأبنائها حياة كريمة رغم الظروف الصعبة.

منذ أن كان صغيرًا كان أحمد يحلم بأن يصبح مهندسًا معماريًا، لكن الظروف المادية كانت تفرض عليه قيودًا كبيرة، وكان يرى أصدقائه يتجهون نحو مجالات أخرى، بينما هو كان دائمًا ما يركض خلف حلمه، حتى جاء الوقت الذي قرر فيه أن يختار بين العمل أو متابعة دراسته في الهندسة.

بعد أن أنهى الثانوية العامة بتفوق، حصل على منحة لدراسة الهندسة في جامعة كبيرة لكن في الوقت نفسه، عُرض عليه فرصة للعمل في شركة صغيرة كمساعد مهندس، وكان الراتب الذي سيحصل عليه كافيًا لتحسين وضعه المالي بشكل كبير. كان الخيار صعبًا.

كان عليه أن يختار بين العمل وتحقيق الاستقلال المالي، أو أن يواصل دراسته ويتبع حلمه الذي قد يستغرق وقتًا طويلًا لتحقيقه، وكانت والدته تشجعه على متابعة دراسته، بينما كان والده يرغب في أن يذهب للعمل ويساعد في تحسين وضع الأسرة.

شعر أحمد بالحيرة وكان يعتقد أنه لو ترك الدراسة من أجل العمل، فقد يضيع حلمه للأبد لكنه في الوقت نفسه كان يخشى أن يضيع على أسرته فرصة أفضل، وقرر في النهاية أن يتخذ خطوة جريئة، وقرر أن يقبل وظيفة المساعد في الشركة الصغيرة، وكان يأمل أن يتمكن من العودة إلى الدراسة في المستقبل عندما تكون الظروف أفضل.

بدأ أحمد العمل في الشركة، وكانت بداية صعبة، وكان يُطلب منه القيام بالكثير من المهام البسيطة، وكان يشعر أحيانًا أن وظيفته لا تتناسب مع طموحاته. لكنه كان صبورًا، يعمل بجد ويكتسب الخبرة شيئًا فشيئًا. بعد عامين من العمل، بدأت الأمور تتغير.

حصل على ترقيات صغيرة وأصبح معروفًا بين زملائه في العمل بجدّه وطموحه لكن مع مرور الوقت، بدأ أحمد يشعر بشيء من الندم لم ينس حلمه في الهندسة، وبدأ يشك في القرار الذي اتخذه وفكر في العودة إلى الدراسة، لكنه كان يعلم أن ذلك يتطلب وقتًا ومالًا، وكان لديه الآن مسؤوليات أكبر تجاه عائلته.

في يوم من الأيام جاء مديره في العمل ليعرض عليه فرصة جديدة، أن يصبح جزءًا من فريق تصميم لمشروع كبير في الشركة، وكانت فرصة العمر بالنسبة له لكن كانت هناك شروط عليه أن يعمل بدوام كامل ويترك فكرة العودة إلى الدراسة لفترة طويلة حينها شعر أحمد بالضغط، لكنه قرر أن يوافق على الفرصة وكان يعلم أن هذه الفرصة قد تكون المفتاح لتحقيق حلمه، حتى وإن كانت تكلفه بعض التضحيات.

مع مرور الوقت بدأ أحمد يحقق نجاحًا أكبر في عمله، حيث أصبح أحد أهم المهندسين في الشركة، وكان يقود فريقًا يعمل على مشاريع ضخمة، ولكن رغم نجاحه المهني كان لا يزال يشعر بشيء من الفراغ الداخلي، كان يتذكر دائمًا حلمه في الدراسة في أن يصبح مهندسًا معماريًا ذا تأثير كبير.

بعد سنوات من العمل قرر أحمد أخيرًا أن يعود إلى دراسته، ورغم التحديات التي واجهها من أجل التوفيق بين العمل والدراسة، نجح في الحصول على درجة البكالوريوس في الهندسة المعمارية، ليحقق حلمه الذي طالما راوده وكانت تجربته تعلمه أن الحياة مليئة بالاختيارات الصعبة، وأنه لا بأس من اتخاذ طريق مختلف إذا كان يعتقد أن هذا الطريق سيقوده إلى هدفه في النهاية.

في النهاية لم يكن أحمد فقط قد حقق حلمه في أن يصبح مهندسًا معماريًا، بل تعلم أيضًا أن الحياة تتطلب شجاعة لاتخاذ القرارات الصعبة، وأن النجاح لا يأتي دائمًا بالطريقة التي نتوقعها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى